الميدان
بقلم( محمد فتحي المقداد)*
الجهة الجنوبية المحاذية لقلعة بصرى, تسمى الميدان في صغري لم أكن أعلم ما تعنيه تلك الكلمة, حين ذاك حيث لم يكن هناك في المنطقة أي بناء سكني, فقد كانت منطقة بيادر وكروم عنب, ولكن بمجيء بناء الفندق, أبرزوا مكان الميدان, والذي بعد ذلك فهمت أنه ميدان لسباق الخيل, وذلك في عهد قديم من تاريخ بصرى, وهو يمثل الحقبة النبطية ومن بعدها الرومانية والبيزنطية والإسلامية, حيث كانت المدينة في أوج ازدهارها الحضاري و بعد ذلك اندثر بفعل الخراب والدمار من جراء الحروب والزلازل, والميدان الآن هو قطعة أرض خلاء, فقط محاطة بسياج حجري, ومقارنة افتراضية مع ميدان سباق الخيل في مدينة أبوظبي التي عملت بها لعدة سنوات, هنا حمحمة الخيل وصهيلها وتصفيق المشجعين وحفلات تكريم المتسابقين, بينما ميدان بصرى لا يزال يعيش على أطلال التاريخ عريق, وجمود حاضره. وفُرْسَانُ المَيْدَانِ و وَكَّى الفرسُ المَيْدانَ مَلأَه و أوكى الفرس الميدان جرياً,والمِقْوَسُ: هو المَيْدان. والمِقْوَس - أيضاً - : حَبْلٌ تُصَفُّ عليه الخيلُ عند السِباق, أي هو الخط الذي يقف عنده المتسابقون, أو خط البداية بانتظار إطلاق الصافرة أو طلقة من مسدس أو إشارة ما.
ويبدو أن الميدان هو المكان المتسع الذي يستخدم للسباقات, و في المدن الحديثة بتخطيطها العمراني الجميل, فقد أصبحت تعبر عن الساحة الواسعة وفي وسطها النصب الذي يحيط به الدوّار بشكله الدائري, وذلك بهدف تنظيم مرور السيارات بكافة الاتجاهات وذلك بضبط الحركة من خلال إشارات المرور,وقد بزرت كلمة الميدان التي تصدرت الفضائيات الإخبارية, وذلك حين احتلال بغداد, والتركيز على ميدان الفردوس بصوره التي تكررت على مدار أكثر من شهر وإلهاء الناس بتكسير التماثيل, بينما يد الغدر كانت هناك تنهب محتويات المتحف العراقي, وتنهش تاريخ العراق, وتقتل شعب العراق, ولا تزال صور التظاهرات الطلابية في ميدان( تيانمين) في وسط العاصمة الصينية بكين, والقمع الشديد لهم من قوات الشرطة, ميدان تيانمين مثله كمثل الميدان الأحمر في موسكو يمثل هيبة الدولة التي تبطش بمن يخرج عن طاعتها أو يفكر.
ولكن الأمر اختلف في ميدان التحرير بالقاهرة, اعتصمت الجماهير على مدار أسبوعين ونصف, ظهرت من خلال ذلك مصطلح البلطجية الذي يشير إلى مثيري الشغب بين المعتمين وقتل الكثير من الناس. وإذا تحولنا من الاستخدام المكاني لكلمة الميدان إلى الاستخدام المجازي إلى ميدان فقه اللغة والذي أوسع من ميدان البحث النحوي إذ كان النحو لا يقنع إلا بما اصطُلِحَ عليه بالصحيح أما كتاب " الخصائص " لابن جِنّى فهو مجموعة مختلفة من مباحث نظرية تدخل في ميدان " فقه اللغة "عن العربِ عُموماً أَو خُصوصاً فالعَمَلُ على الثابِت عنهم لأَنّهم أَئمّة اللّسانِ ولو رجعنا لميدان اللغة في معاجمها وقواميسها لاستجلاء أكثر عن كلمة الميدان لكان المَيْدَانُ بالفتح ويُكْسَر أَي ما يعرف بالمَيَادِينُ وقد اخْتُلِف في وَزْنِه فقيل فَعْلاَن من مَاد يَمِيدُ إِذا تَلَوَّى واضطَرَبَ ومعناه أَنّ الخَيْلَ تَجولُ فيه وتَتَثَنَّى مُتَعَطِّفَةً وتَضْطَرِبُ في جَوَلاَنِها وقيل وزنه فَلْعَانُ من المَدَى وهو الغايةُ لأَن الخَيْلَ تَنْتَهِي فيه إِلى غَاياتِها من الجَرْيِ والجَوَلاَنِ وأَصْلُه مَدْيَانٌ فقُدِّمَت اللام إِلى مَوْضِع العَيْنِ فصار مَيْدَاناً. والمَيْدَانُ والمَوْضِعُ الَّذِي تَجْرِي مِنْه الخَيْلُ للسَّبْقِ : مِقْوَسٌ أَيضاً . ومِن المَجَازِ : عُرِضَ فُلانٌ علَى المِقْوَسِ : هو حَبْلٌ تُصَفُّ عَلَيْهِ الخَيْلُ فِي المَحَلِّ الذِي تَجْرِي منه عِنْدَ السِّبَاق وقيل الميدان لان الخيل تودن فيه أي تضرب,و حي الميدان الدمشقي الشهير وشارِعُ المَيْدان : محَلَّتانِ ببغداد الثانيةُ بالجانبِ المَيْدَانُ الشَّرقيِّ منها قال ياقوت قد خربت والأُولى من جهةِ الأنبار ولذا أُضيفَت إليه . وشارِعُ دارِ الرَّقيق : مَحِلَّةٌ غَرْبِيَّ بغداد أَيضاً مَحَلَّةٌ بِبغدَادَ مِن ناحِيَة بابِ الأَزَجِ ويُعرَف بشارع المَيْدَان . منها عبدُ الرحْمنِ بن جامع بن غُنَيْمَة المَيْدَانيّ وكان يكتب اسمه غُنَيمْة والمَيْدَانُ مَحَلَّةٌ بِنَيْسَابُورَ وتُعْرَف بِمَيْدَانِ زِيَادٍ منها أَبو الفَضْلِ محّمدُ بن أَحمدَ المَيْدَانِيُّ.والمَيْدَانُ أَيضاً مَحَلَّةٌ بأَصْفَهَانَ, منها أَبو الفَضْلِ الأَمير والميدان أيضاً محلة عظيمة بخوارزم خربت . ومَيْدَان : مدينةٌ في أَقصَى بلادِ ما وراءَ النَّهْرِ قُرْب إِسْبِيجَابَ, المَيْدَانُ : شاعِرٌ فَقْعَسِيٌّ في بني أَسَدِ بن خُزَيْمَةَ .وأشهر الميادين على الإطلاق هي ميادين الحرب والمعارك و الجهاد وقد أجاد الشاعر بشار بن برد في وصف ميدان المعركة, بقوله:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وقد تغلغل الميدان في الذاكرة الشعبية, وذلك من خلال ما وصلنا من مقولات على شكل أمثلة متداولة, كقولهم:( ما بقي في الميدان غير حديدان)*أي كل الفرسان تراجعوا ولم يبق غير الفارس الصنديد(حديدان) ولمن أراد التحدي, يقولون له : (هذا أبو زيد وهذا الميدان)* ومعلوم من خلال ذلك إشارة إلى أبو زيد الهلالي, وفي هاتين المقولتين إشارة من الأولى للصمود والثانية للتحدي.
وإن ادلهمت الأمور وتشعبت طرقها, فسيبقى ميدان العلم هي الأساس في بناء كل تلك الحضارات وميادينها على اختلافها, وذلك من خلال فرسانه من طلبة العلم في جميع الأفرع, والتي من خلالها يخدمون أممهم بكل إخلاص وتفانٍ, ومهما استخدمت واستجلبت كل فنون الكتابة في تبيان رحابة الميدان, فإن ذلك لن يفيه حقه, وستجد كثيراً ممن يقرأ, يقول في نفسه لو أنه كتب ذلك لكان أفضل.ولكل مجتهد نصيب, وهذا اجتهادي----- انتهى
بصرى الشام – في 11\ 3 \2011 م