تنتشر بين الشراكسة الكثير من القصص التي تتحدث عن هجرة مجموعة كبيرة من الناس في الزمن القديم قادمة من الإمبراطورية الحاثية لتستوطن في القفقاس الشمالي الغربي.
و يحفظ في الأرشيف الفلكلوري التابع لمعهد العلوم الانسانية في جمهورية أديغيا ثمانية تسجيلات مشابهة لهذه الملحمة بأداء مؤرخين و مغنين شعبيين مشهورين أمثل: ناوكه شوبشاخ, جاوي حاجي, ناتخوه بقوه و غيرهم.
إحدى هذه المحفوظات و التي تحمل عنوان : " كيف أتى الأديغه الى القوقاز " تروي السبب الذي أدى إلى هجرة الحتيت إلى القوقاز و كانت حادث غير مقصودة.
كيف أتى الأديغه الى القوقاز
مرة و أثناء لعب الابن الأصغر للأمير "حاتشي", و عن غير قصد, قلع عين أخيه الأكبر "كورابشو", و حيث أن قانون العقوبة بالمثل كان ساري المفعول في بلاد الحاثيين آنذاك, وبمحاولة منه لتجنب مثل هذه العقوبة, هرب حاتشي واختبأ بعيدا عن الأنظار, وبعد مرور بعض الوقت, قام مع مجموعة من مؤيديه بالانتقال بواسطة القوارب ( في رواية أخرى بواسطة السفن اليونانية) قاطعين البحر الأسود لينزلوا السواحل الشركسية بالقرب من مدينة " أنابا " الحالية.
هجرة هذه المجموعة تحديدا إلى القوقاز الشركسي تدل على القرب التي تربط سكان المنطقة بالقبائل الحاثية.
و تجدر الإشارة إلى أنه في هذه الرواية ترد أسماء حاثية بحتة, على سبيل المثال: أسماء الأخوة "كورابشو" و "حاتشي", و كذلك اسم مؤنث علم "خاربز" و الذي كان ما يزال منتشرا في الوسط الشركسي إلى فترة قريبة.
إن ملحمة " بشنالة عن الحتيت " تشهد بلغة جذابة عن المعرفة العميقة لمؤلفيها بتاريخ و ثقافة و نمط حياة أجدادهم.
لقد حدثونا بفخر كبير عن الأعمال البطولية و الإنجازات التقنية للحاثيين, و نقلوا لنا كيف كانت الإمبراطورية الحاثية قوة عظمى:
إمبراطورية الحاثيين الكبيرة
كانت واقعة وراء البحر الكبير
بكل مجد كانت تمتد حدودها
أوصلها الحاثون إلى مصر.
هذه الملحمة تتحدث عن أنه عندما وقف الفرعون المصري " رمسيس " أمام امتداد حدود الإمبراطورية الحاثية, أبدى الحاثون آنذاك وحدة قوية, و رجولة فائقة و قدرة على الصراع. و يجدر الذكر بأن الحاثيين كانوا يتقنون فن استخدام العربات الحربية التي كانت تهز الرض تحت أقدام العداء.
و الملفت للنظر أن كل هذه الأحداث أكدتها الدراسات التاريخية, فبتحليله للفن الحربي عند الحاثيين ألقى المؤرخ السلوفاكي " زاماكوفسكي ", الضوء على الأهمية الكبيرة للعربات الحربية.
كتب يقول: " إن التفوق النوعي و الكمي للعربات الحربية الحاثية قوت الروح القتالية لطواقمها, وكما نعلم فان الحالة المعنوية للقوات تعتبر إحدى أهم العوامل الأساسية التي تحدد نتيجة المعركة. لقد كانت العربات تخترق عمق جيش الأعداء مستخدمة عنصر المفاجأة, مهاجمه إياه من الخلف ".
وقد ثبت تاريخيا أيضا ماورد في هذه الملحمة عن عقد اتفاق سلام بين الفرعون المصري "رمسيس الثاني" و القيصر الحاثي "حتشوليم الثالث".
و قد كتب الباحث "روبنيشتين" حول تاريخ الدولة الحاثية يقول: " في عام 1296 قبل الميلاد وصلت إلى مصر بعثة حاثية حاملة لوحة من الفضة محفور عليها 18 بندا من المعاهدة السلمية بين القائد الحاثي العظيم "حاتشوليم الثالث" و حاكم مصر العظيم و المتألق "رمزيس الثاني". تعاهد القيصران على الثقة و الأمانة, ووعدا بتقديم المساعدة العسكرية و غير العسكرية و عدم الاعتداء".
اللوحة الفضية لم يحافظ عليها, و لكن نسخة عن المعاهدة مكتوبة بالهيروغليفية على حائط معبد الكرنك في مصر, و أيضا على عدة ألواح فخارية واحدة منها موجودة في متحف الارميتاج في مدينة سانت – بطرسبورغ.
في هذه الملحمة تأكيد على جدية الحاثيين في تثبيت و تقوية هذه المعاهدة, حيث قام الملك الحاثي بتزويج ابنته إلى الفرعون رمسيس الثاني.
مكان عقد المعاهدة يسميه الشراكسة " باله ستين " و ترجمتها الحرفية " إعطاء وعد ".
(( توقيع المعاهدة تم بالقرب من مدينة الناصرة في فلسطين. "بالة ستين " ))
إن ملحمة " بشنالة عن الحتيت " تعتبر مصدر تاريخي موثوق يحمل في مضمونه وقائع و تفصيلات يمكن أن تكون معروفة لمعاصريها فقط, لذلك يمكننا القول أن هذه الملحمة ولدت بعد عام 1296 ق. م.
إن المعركة التي جرت في منطقة قاديش عام 1296 ق. م وجدت مكانها في الأغاني الشركسية و هي تظهر في الكلمات الأولى من هذه الأغاني " نارين " , فانه و قبل 3 آلاف سنة و أثناء معركة الفراعنة مع الحاثيين في قاديش قرب نهر أورونت, كان يقود القوات الحاثية القائد " نارين" و الذي لقي مصرعه في هذه المعركة.
إن نارين كان محبوبا لدى الحاثيين, و كان يتمتع بشعبية كبيرة, و قد أحبط مصرعه الحاثيين, و لذلك و رغبة منهم في تخليد ذكرى القائد المقدام نارين, قام الحاثون بتأليف الأغاني عنه, ومنذ ذلك الحين أصبح اسم نارين يرافق معظم الأغاني الشركسية التي يرددها الشراكسة حتى أيامنا هذه و خاصة في المهجر.
إن الحقائق التاريخية و الدراسات الحديثة أثبتت بشكل لا يدع مجال للشك ان الأديغة هم من الشعوب العريقة و القديمة و التي أسهمت بالتاريخ الأنساني, و أن الأجداد المباشريين للأديغة هم شعوب "الحاث", الذين أسسوا حضارة عريقة في الأناضول في حوض نهر غاليس, و ذلك قبل مجيئ الشعوب الهندو - أوربية الى مناطقهم, حيث حصل احتكاك بينهما تارة حربي و تارة سلمي و ذلك على مدى عدة قرون, أدى بالنهاية الى نشوء الشعب "الحثي" و هو ذو ثقافة "حاثية" بحتة, أما لغته فكانت هندو - أوربية, حيث كانت الغلبة العددية لهؤلاء, أما اللغة "الحاثية" فبقيت حية في المعابد "الحثية" كلغة دين, و حية بشكل آخر في اللغة الحالية للأديغة.
و نورد هنا الملحمة الشركسية باللغة الشركسية مع لفظها و ترجمتها إلى اللغة العربية
و هي تثبت توافق المكتشفات التاريخية مع التاريخ الشفوي المروي للأديغة.
Xъатитэуи тятэжъхэр
Лъэпкъыжъмэ ащыщхэу
Тхыдэжъмэ къаiуатэ
حاتيتاوي تياتجخر
لاّبقِجمهَ آشِشخَو
تخِدَجمهَ قائواتهَ
الحاثيون – أجدادنا
يُقال بأنهم من أعرق القبائل الغابرة
Хьатитмэ япщыгъошхо
Хышхо кiыбым щынаiоу
Цiэрыiоу зеубгъу
حاتيتمهَ يابشِغوَشخوا
خهِ شخوا تشئِبِم شِنائوَو
تسأرِئوَو زيوُبغوُ
امبراطورية الحاثيين عظيمة
و مشهورة فيما وراء البحر الكبير
و بالمجد تتوسع
Ягъупапкъи Мысырым
Хьэтит нагъэсы
Рамсэсэуи япачъыхьам
Ар ымыдэу зао къешiы
ياغوُبابقي مسرِم
حاتيت ناغَسهِ
رامسَسَوي ياباتشِحَم
آر يمِدَوُ زاوا قيِشئهِ
و حدودها الى مصر
يمدها الحاثيون
رمسيس – ملك مصر
ممتعضا من هذا يبدأ الحرب
Хьэтитмэ яшiэныгъэ
Бгъу пстэумкiи лъагъэкiуатэ
Ешит (Мысыр) пачъыхьэу фираунэ Рамсесэри
Хьэтитмэ яр къакiуи
Зэлiу тхыльи зэдаш
Благъэ тiури зэрэщiыгъ
حاتيتمهَ ياشئَنِغهَ
بغوُ بستَوُمتشئي لاّغَكؤاتهَ
ياشيت (مِسِر) باتشِحَوُ فِرعَوُنهَ رَمسيسَري
زَلّئوُ تخِلّي زَداش
بلاغهَ تؤُري زَرَشئِغ
يقوم الحاثيون بنشر علومهم
الى كافة البقاع
ملك مصر, الفرعون رمسيس
يقدم الى الحاثيين,
و يعقد اتفاقية معهم,
و تعقد أواصر القربى بينهما
يتبع لن شاء الله