غزة تحت النار رواية توفيق عبيد
قراءة / يسري شراب
------------------
في أكثر من مائتي صفحة صدرت للأديب الفلسطيني من غزة روايته / غزة تحت النار وهي الإصدار الرابع له بعد أن نشر له رواية / اعتقال الشهداء ورواية / شاطئ الشهداء ومجموعة قصص قصيرة بعنوان / بائع الخردة
وضمن هذا الخط الإبداعي الملتزم بواقعية المقاومة تحت الحصار ورغم كثافة النيران في غزة نستلهم الخطوط العريضة لما يكتبه الأديب عبيد وهو يرصد الأعمال العسكرية الإرهابية على غزة منذ أول يوم للحرب في 28/12/2008م حين أغارت الطائرات الإسرائيلية على أكاديمية الشرطة خلال حفل تخريج دفعة من الضباط الجدد وقد بلغ عدد الشهداء في تلك الساعة وذلك اليوم الأسود أكثر من مائتي شهيد من الشباب المقبل على الحياة
وكان بطل القصة ياسين احد الذين أصيبوا بجراح خطيرة في تلك الموقعة الأليمة ووالده الرجل الطيب أبو صابر الذي بدأ يلوم زوجته على أنها شجعت ولدهما الوحيد ياسين على الانضمام لقافلة الضباط لتفرح بالنجوم على كتفه وهو طالما حذرها من الخطر الذي سيحدق به لو انضم إلى العسكريين في غزة المحاصرة والمستهدفة بالحروب والقنابل منذ النكبة عام1948م
هذا هو الحدث الرئيسي الذي ينتقل منه إلى الأحداث الفرعية في رواية رصدت الواقع الفلسطيني مابين الميادين والمستشفيات والناس في ظل حرب إسرائيلية مستمرة على حقوق الشعب الفلسطيني
فهو بعد الإهداء إلى روح أمه يصحبنا إلى مشهد بعنوان / أم صابر والحصار ويتحدث فيه عن انقطاع الغاز والسولار واستخدام الناس لمواقد الإضاءة المنزلية التي تباع بأعلى الأسعار ويتزاحم على شراءها كل الناس الذين تنقصهم الكثير من حاجياتهم الغذائية قبل أن ينتقل بنا إلى المشهد التالي تحت عنوان / القصف والهجوم وهو ما اشرنا إليه بالحدث الرئيسي حين قصف أكاديمية الشرطة وطاف بنا ببراعة مابين بيت أبو صابر ومابين مستشفى الشفاء بغزة التي اكتظت بالجرحى والمصابين في أول يوم حرب جوية غادرة أصابت خلال عشرين يوم ما يقارب السبعة ألاف إنسان مدني دون ذنب سوى أنهم يقطنون في غزة المحاصرة المرابطة وعمليات البحث عن الابن ياسين وسط الخوف والقلق حتى استدلوا على مكانه من خلال الاتصال بجهازه الخلوي ولم ينس أن يدير الكاميرا اتجاه بعض النماذج التي استغلت ظروف الحرب في السرقة وهم نماذج قليلة جدا ولكنها مؤثرة على المجموع كله مثل شخصية النمس الذي يسرق محتويات جيوب الجرحى والشهداء الذين يصلون المستشفى وسط فوضى الازدحام
هنا ينقل صورة اجتماعية متكاملة الأبعاد
بالفعل كان بارعا في نقل الصورة المرئية للقاري بأسلوب مشوق لا ينقصه الفصاحة والبلاغة وان استخدم في الحوار مرة العامية وأخرى بالفصحى وكنت أفضل أن يتبع العامية لأنها تقربنا من البيئة الاجتماعية أكثر وهو في حركته الإبداعية ينقلنا من غزة إلى القدس في مشهد ثالث ضمن الرواية وذلك البطل محمد المقدسي المقيم في حي المغاربة قريبا من المسجد الأقصى ويعمل كسائق جرافة فكر تحت إلحاح الإرهاب الإسرائيلي على غزة أن ينطلق بها إلى موقف الأتوبيسات ويهجم بها على الإسرائيليين حيث يتجمعون هناك كل صباح وفعلها في أتوبيسين اثنين الأول وهو بكامل يقظته الوطنية والثاني بعد إطلاق النار عليه ودماؤه تضغط بكل قوة على بترول الجرافة لتحطم الأتوبيس الثاني ويخلد محمد البر ناوي شهيدا
في المشهد الرابع يعود تحت عنوان / الرجوع للموت إلى مستشفى الشفاء في غزة حيث يتزايد عدد الجرحى والمستشفى لا تحتمل كل هذا الازدحام فيقرروا نقل بعض الحالات المستقرة إلى مستشفيات فرعية أخرى ليتفرغوا للحالات الجديدة المستعجلة فينتقل ياسين ابن أبو صابر إلى مستشفى فتا الغير مجهز حتى يتم شفاؤه بعد ثمانية أيام من إصابته ويعود إلى البيت وسط توافد عشرات المهنئين بسلامته دون خوف من الغارات المستمرة فالكل في واحد تحت النار في غزة ونعيش الحالة النفسية لدى المواطن ألغزي وهو يتحدى الحرب والحزن بالفرح ويقرر أبو صابر تزويج ياسين ابنه من جارته ورده قائلا :
أرادوا لنا الموت والحزن ونحن رغم أنوفهم سنعيش ونفرح فكان المشهد بعنوان / علاج وشفاء ولازال الكل يبحث عن حقوق الإنسان المنسية في هيئة الأمم المتحدة لان الأمر يتعلق بإسرائيل المعصومة من توجيه اللوم وفاصل القتل مستمر ورغم أن معبر رفح مفتوح فلا احد ينوي الهروب والتشرد فقد قرر الجميع الموت في ارض غزة والموت ولا المذلة فيكفينا لجوءا وتشرد رغم مواقف الشعب المصري الكريمة والتي خففت من موقف النظام المحايد مابين العربي والصهيوني آنذاك فنكون مع مشهد بعنوان الوحوش لبداية الهجوم البري ثم مشهد بعنوان / مراكز الإيواء لآلاف الذين دمرت بيوتهم ويختتم العمل بعنوان / الأمل والنصر
الرواية بحق وثيقة واقعية وحدث تسجيلي وسط السرد الروائي تحكم فيه الأديب بسيناريو وحوارات مفيدة وتحكمت في المسار الروائي كفيلم أو شريط إبداعي فني يشد القارئ للمتابعة بكل قوة
كل التحية للأديب توفيق عبيد من غزة وتمنياتي بمزيد من التفوق والتميز الإبداعي