في طفولتي كنت شقيا بالمفهوم الحركي أو ربما كان لدي ما يسمى بفرط النشاط وربما كان زائدا عن الحد المحتمل .....أذكر أنني كنت لا أتوقف عن الحركة واللعب والعبث حتى يبلغ جميع من حولي مبلغا من الملل والانزعاج الشديد ..... كثيرا ما كانت تؤنبي والدتي رحمها الله وكثيرا ما كانت تعاقبني بشتى الوسائل التي لم تكن يوما ناجعة مع طيشي الشديد والخارج عن السيطرة ..... وفي كل مساء لابد من شكوى لوالدي رحمه الله حال عودته من عمله ....ولابد من حزمة عقوبات مضافة لسائر العقوبات التي تعرضت لها نهارا ولم تجد نفعا ..... وفي نهاية العقوبات وموشحات التوبيخ كثيرا ما كنت أسمع من والدي رحمه الله يقول لي أنت مثل الجني الأطرش ......ثم دارت الأيام كبرت وتعقلت كثيرا أو هذا ما أخاله في نفسي ...... وفي إحدى جلسات الصفاء مع والدي رحمه الله سألت والدي ما الذي كنت تعنيه بتسمية الجني الأطرش .....ضحك والدي رحمه الله قائلا : الجني يا بني حينما يقترب من ابن آدم ليؤذيه أو يوسوس له على ابن آدم أن يذكر الله ....فإذا ذكر الإنسان الله أو قرأ شيئا من القرآن خنس الجني وفر هاربا .....ذكر الله وآياته وقاية لابن آدم من مكر الشيطان وأذيته ....ولكن المشكلة إذا كان الجني أطرشا لو قرأت عليه القرآن والإنجيل والتوراة لما ابتعد عنك ولا تركك دون أن يؤذيك .
مع تقدمي في العمر خبرت أناساً كباراً بلغوا مبلغ الرشد والوعي الفكري حسب عمرهم الفيزيولوجي ولكن للأسف ينطبق عليهم تسمية والدي رحمه الله – الجني الأطرش – فالجني الأطرش مستمر بأذية من يريد.... فقط لأنه يستطيع ذلك....ومهما قرئت عليه آيات من القرآن أو ذكر الله أمامه لا يبتعد ولا يتوقف عن الأذية رغم أن استمراره وبقاءه مع القرآن سيؤدي إلى موته محترقا ....وكذلك الكثير من الذين أعرفهم للأسف مستمرون في الأذية والتلذذ بكل أنواع الشرور ....يظلمون غيرهم فقط لأنهم يستطيعون ذلك .....ومهما قدمت لهم النصح والتوجيه وذكرتهم بسوء العاقبة والحساب الإلهي في الدار الآخرة لا يستمعون لك ولا يلقون بالا لما تقول مهما بذلت معهم من جهد جهيد .....فهم يمثلون حرفيا بتسمية الجني الأطرش .....طبعا إن وجد .